أشعر بوحدة وأنا بين الناس ، فلا أشعر بأنس ولا إيناس ،
ولا أرى منهم إلا فقر المشاعر والاحساس ،
فهذا ولد صغير ، لا يكاد يفرق بين الخيل والبعير ،
تضربه أمه حتى ينقطع صوته من طول صراخه الكسير،
وهذه طفلة ضعيفة ، لا ترى من أبيها إلا كل قسوة وخيفة ،
تشتاق إلى حنان أمها المنشغلة عنها بالوظيفة ،
وهذا شاب مسكين ، يريد أن يعف نفسه فلا يجد من معين ،
متردد بين الشهوات والشبهات وأصدقاء السوء والشياطين ،
وهذه فتاة حمقاء ، تبحث عن السعادة في مكان الشقاء ،
كمن يتفقد جداول الماء في وسط الصحراء ،
وهذا زوج مشتت حيران ، انشغل بنشوز زوجه عن طاعة الرحمن ،
فهرب من بيته الى مجالسة الاخوان والاخدان ،
وهذه زوجة بائسة ، أسيرة في بيت زوجها يائسة ،
فلا هو أمسكها بمعروف ولا سرحها بطلقة ثالثة ،
وهذا أب يأمر ولده بالإحسان ، فإذا به يُعق ويُهان أمام النبلاء والأعيان ،
بدلا من تقبيل قدمه والشكر والعرفان ،
وهذه أم عاجزة فانية ، تشتكي جفاء أبنائها وبناتها إلى جدران بيتها الحانية ،
حتى بكى الجدار لبكائها وأشفق عليها من هذه الدنيا العاتية ،
حقيقة لا أدري ما أقول ، فقد عجز لساني عن وصف هذا السفول ،
أين العفاف والحياء ، والصفاء والبهاء ، والطهارة والنقاء ،
وأين الرفق واللين ، والتراحم والمودة بين المؤمنين ،
فلقد ذهبت هنا وهناك باحثا عن الرحماء ، مواسيا بدموعي أعين المظلومين والضعفاء ،
التي قد تغير حالها وجفت دموعها من طول البكاء ،
فما وجدتهم إلا في خواص العلماء ، وبعض المقبلين على الله من المتزهدين والنبلاء ،
فإلى الله المشتكى من أناس قست قلوبهم ، وساءت أخلاقهم ، وساد فسادهم وبلاؤهم ،
كم من مستريح غاب عنهم بالموت والفناء ،
وكم من مستراح منه هلك منهم فما بكت عليه الأرض ولا السماء ،
فاللهم إنا نسألك ألا تجعلنا في جملة هؤلاء ، وأن تعصمنا من هذا الداء والبلاء ،
فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك يا رب الأرض والسماء .
الكاتب / أبي الحارث الشافعى
0 التعليقات:
إرسال تعليق